الثلاثاء، ١ يوليو ٢٠٠٨

أوباما و عنصريته


" عندما يمتلئ كأس العذاب الإنساني ، فإنه لا يوجد ثمة مجال للمزيد "0


لست أدري كيف غابت هذه الجملة الشهيرة – التي ظل يرددها زعيم الأقلية السود ( مارتن لوثركينج ) – عن ذهن السيد باراك أوباما و هو يلقي خطابه أمام مجموعة الضغط اليهودية ( إيباك ) .0


حيث أدان ما تقوم به حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) من مقاومة للاحتلال الصهيوني ، و وصف ذلك بالإرهاب ، كما رأى أيضاً ببصيرته النافذة أن الشعب الفلسطيني عليه أن يعرف أين تكون مصلحته ، و أن يحسن الاختيار بعد ذلك ، و يتمسك بخيار السلام.

فهو الذي يبدو بمظهر المثقف الأنيق جاء اليوم ليُعلم الشعب الفلسطيني – الذي عاش و اكتوى بنار الاحتلال لمدة 60 عاماً – كيف يُقرر مصيره و كيف يُحدد اختياراته.

و نسي أن كأس ، بل بئر العذاب الإنساني للشعب الفلسطيني قد امتلئ و فاض منه الكيل منذ أمد طويل ، سواء من ذل و انتهاكات الاحتلال ، أو من وعود السلام المنقوص و الزائف .

فيبكي أوباما و يتباكى على الأطفال الإسرائيليين الذين تصيبهم الصواريخ الضعيفة للمقاومة الفلسطينية ، و لم تذرف عينه دمعة واحدة على أطفال الفلسطينيين و أطفال اللبنانيين الذين فتكت بهم الأباتشي و الإف 16 و غيرهما من المقاتلات و المدمرات و الصواريخ الفتاكة.و ينسى أيضاً ، أو يتناسى المذابح الإسرائيلية في حق الشعوب العربية ، و يسمي ذلك كله بالنضال و الكفاح اليهودي ، و الذي لا يمكن التخلي عن ثمرته اليوم.


و كان أغرب ما سمعته في خطاب أوباما ، تأكيده على ضرورة الإبقاء على هوية دولة إسرائيل كدولة يهودية ، و ما أثار الغرابة و الدهشة ، أن تلك الهوية اليهودية العنصرية تتناقض مع تاريخ السود الأمريكيين – و هو واحد منهم – في النضال ضد العنصرية البيضاء . و يبدو أوباما مرة أخرى متناسياً كيف مات ( لوثر كينج ) مناضلاص ضد العنصرية و الظلم ، باذلاً حياته ثمناً لذلك ، بينما يشتري أوباما الرضا اليهودي بثمن بخس من تأييد العنصرية ، متناسياً ذلك النضال لأجداده.


ثمة مقولة أخرى وردت في خطابه فحواها ( أفيقوا أيها العرب المغفلون ) ، و هي كما قال نصاً " إن الحفاظ على أمن إسرائيل مسألة يتقاسمها مع مرشح الحزب الجمهوري ، و أنها تتجاوز الولاء الحزبي "

لتكون هذه المقولة مبدأً جلياً أمام العرب و المسلمين و العالم كله.

و لن تتنازل أمريكا يوماً عن سلاحها الاستراتيجي الخطير و اختراقها الكبير للمنطقة العربية عبر امتدادها ( إسرائيل ) ، فإسرائيل هي السبيل الأقوى و الأفضل لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة ، و سوف تظل إسرائيل التي تساندها أمريكا هي " البعبع " لكل المنطقة.فبعد محاولة الطيران الإسرائيلي قصف المفاعل النووي السوري ، و من قبله قصف المفاعل النووي العراقي ، و تهديدها الدائم بقصف منشآت إيران النووية ، ستبقى إسرائيل هي اليد الباطشة لأمريكا في المنطقة ، و لذلك ، كان على أوباما في خطابه هذا أن يشير إلى أن أمريكا لابد أن تضمن لإسرائيل دوماً تفوقاً عسكرياً في المنطقة.


هكذا و بوضوح ، يُظهر أوباما سياسات ليست بالبعيدة عن سياسات خصمه ( ماكين ) و من قبله ( جورج بوش ) تجاه قضايا العرب و المسلمين ، و حركات المقاومة في بلداننا.

حتى و إن بدا معارضاً للحرب ضد العراق ، فذلك ليس إلا حرصاً منه على مصلحة أمريكاً و اجتذاباً لصوت الناخب الأمريكي الذي رأى بعينه الجحيم الذي غاصت فيه القوات الأمريكية بل أمريكا ككل في العراق ، ليس حباً في العراق و رغبةً في تحريره ، ليس شفقة على العراق لما حل به من نكبة ، ليس انصافاً للمظلومين هناك .


أوباما الأمريكي الأسود ، الذي توقعنا أن يكون أكثر المرشحين رفضاً للعنصرية لما عاناه السود في أمريكا من ويلات العنصرية ، فاجئنا جميعاً بأنه من بين المرشحين في سباق الرئاسة الأمريكي – سواء على مستوى انتخابات الحزب الديمقراطي لمرشحه ، أو على مستوى انتخابات الرئاسة القادمة – كان أكثرهم عنصرية .

الأربعاء، ١٦ أبريل ٢٠٠٨

اسود ، عن العسكرية

أكتب هذه التدوينة ، و قلبي يقطر كلماتها كلمة كلمة

أترككم مع الكلمات






أعتذر عن الإطالة

الاثنين، ١٤ أبريل ٢٠٠٨

post جامد


أهدي هذا البوست إلى من أهديتها عمري كله ، شريكة حاضري و مستقبلي منة الله



عندما كنا نتحدث عبر الهاتف عن آخر تدوينة لها ، قالت : " لا أشعر أن التدوينة قوية " ، فقلت لها : " أقول لك الحق ، و أنا كمان لم أشعر بأن التدوينة قوية ، فأنا دوماً معتاد منك في كتاباتك على الابتكار و التجديد ، و ما عدا ذلك أشعر بأنه أقل من المستوى الذي اعتدته منك " ، فقالت " معك حق "0

و لكني بعد المحادثة سألت نفسي ، ما هي المقاييس التي نحكم بها على كتاباتنا و التي تجعلنا نضعها في مكان من القوة و الضعف ؟؟0

بالطبع هناك مقاييس كثيرة نحكم بها على كتاباتنا
من تلك المقاييس
-الفكرة ( من حيث كونها مبتكرة أو تقليدية ، و من حيث ملائمتها للزمان و المكان ، ... إلخ )0
-السرد و طريقة العرض
-اللغة و قوتها

و لكن هناك مقياس آخر مهم جداً ، بل لا أشعر أنني مبالغاً إن قلت أنه هو الأهم في وجهة نظري
ألا و هو : مدى تعبير ما أكتب عما يدور بداخلي

لا أجد في الحقيقة جدوى في أن أكتب فكرة جديدة و مبتكرة ذات طريقة عرض جذابة و لغة قوية و هي في النهاية لا تعبر عما بداخلي ، أو لا تقول ما أريد أن أقول
فصدق الإحساس لا نقرأه في السطور ، و لكن نلمسه بين السطور ، و لا نستشعره إلا إذا كان الكلام يعبر عن صاحبه و يسطر مكنون نفسه

ليس صعباً أن نكتب كلمات منمقة أو نصوغ أفكار براقة ، إن ما هو صعب فعلاً ، أن نخرج هذا الإحساس القوي بداخلنا في صورة كلمات

فنحن ننجح عندما نكتب ما بداخلنا و ما يجول بخواطرنا ، نحن ننجح في كتاباتنا عندما نكتب أنفسنا و نرسم أحاسيسنا ، لتنساب في عذوبة و سلاسة

و الآن ، أشعر ، بل و أؤمن بأن التدوينة كانت من أقوى ما كتبتي ، عبرت عن داخلك ، رسمت إحساسك ، لونت أفكارك ، يا ملونتي

الأربعاء، ٩ أبريل ٢٠٠٨

اضراب 6 أبريل



6 أبريل ،، كان يوماً غريباً من نوعه ، و لكن كان الأغرب منه ، كل ما تبعه
خواطر كثيرة جالت بتفكيري عن ذلك اليوم الغريب
كان أولها عن :0

ما حدث في المحلة

و في الحقيقة ليس ما حدث في المحلة بعينه – من حرائق و تخريب و اشتباكات مع الشرطة و ما إلى ذلك - ما أذهلني ، و لكن ما أذهلني أكثر ، ما شاهدته في برنامج العاشرة مساءً ليلة الإضراب ، أو بمعنى أدق ، ما سمعته من ضيوف البرنامج
هم كانوا 4 ضيوف ، أحدهم لواء شرطة و الثاني عضو مجلس الشورى ، و الثالث النائب سعد الحسيني عضو مجلس الشعب – و أحد نواب الإخوان - ، و الرابع لم أنتبه لمنصبه
الكل أجمع - و أنا أؤيد ذلك – أن ما حدث لا يليق و لا يصح ، و لكن المبالغات التي قيلت عن عدم وجود انتماء و عدم حرص على مصلحة الوطن تثير تفكيري كثيراً ، حتى و إن صحت هذه المبالغات ، و لكن ، ألم يرى الذين قالوا ذلك الكلام – و هم لواء الشرطة و عضو مجلس الشورى – غياب الانتماء لدى المحتكرين ؟ ، و هم يعرفونهم جيداً ، ألم يروا غياب انتماء لدى المختلسين و المرتشين و الفاسدين ؟ ، ألم يروا غياب انتماء لدى من يقوموا بتزوير الانتخابات ؟؟ 0
إن ما حدث في المحلة من تخريب لا يعد شيئاً يذكر بجانب ما خربه المحتكرون و الفاسدون و المرتشون
لا يعد شيئاً بجانب مشكلة العبارة التي غرقت ، و التي هرب صاحبها عضو مجلس الشورى – زميل الضيف العضو في مجلس الشورى – بمساعدة أو قل بتغاضٍ من الحكومة ، فكلا الأمرين كارثة
إن ما حدث في المحلة من تخريب لا يعد شيئاً يذكر بجانب احتكار الحديد و الأسمنت و السلع الغذائية ، فضلاً عن تهريب الدقيق و بيعه في السوق السوداء ، و كل هذا على مسمع و مرأى من الحكومة
إذن أين الانتماء عند كل هؤلاء ؟؟0

ثم لم تطلبون من الشعب أن يكون عنده انتماء ؟! ، الشعب يشعر أن البلد ليست ملكه ، بل هي ملك خاص للنظام و الحكومة ، و الشعب ليس له فيها شيء ، فالحكومة باعت ممتلكاته دون إذنه ، و النظام يختار له من يمثلونه ، و يصدر القوانين كيف ما يشاء ، و يعدل الدستور كما يحب ، و يبني ما يريد ، و يهدم ما يريد ، لا أحد يستطيع محاسبته أو ردعه عن شيء يمضي فيه ، و الناس مطحونة ، مهانة في كل مكان ، أصبحت حتى لا تستطيع توفير قوت يومها ، إلى أن وصل الأمر إلى رغيف العيش الحاف
أي انتماء تسألون عنه ، بعد ضياع كرامة الإنسان المصري في كل مكان و في كل شيء ؟؟0
و إن كان بعد كل ذلك لا تزال نظرية المؤامرة تسيطر على تفكيري في هذه النقطة ، بأن الفوضى و التخريب ورائهم الأمن ، و أن الأمن هم من دسوا تلك العناصر التي أثارت هذا الشغب
أو إذا أحسنت الطن بهم أرجح ، أن التعامل الغبي للأمن مع المواطنين قد يؤدي بهم إلى أكثر مما حدث


ثاني خاطرة عن:0

مفارقات

كنت جالساً يوم الإضراب مع شخصية كانت عميدة إحدى الكليات العملية و مسئولة في إحدى المناصب الحكومية المتعلقة بالمعلومات ، و دار بينهما حديث عن الإضراب
العميدة تقول : اللي بيعمله الإخوان ده كتير و البلد مش مستحملة
و المسئولة المعلوماتية تقول : بصراحة معاهم حق ، اللي الناس فيه ده صعب أوي
دهشت كثيراً مما قيل
فشخصيات مثل تلك و في هذه المناصب لا تعرف أن الإخوان رفضوا أن يشاركوا في الإضراب ، فضلاً عن أن يكونوا هم منظميه ، هذا يدل على مشكلة كبيرة في اختيار المسئولين في مصر ، كيف يكون هناك شخصيات مثل هذه الشخصيات على هذا القدر من التغيب ، و مسئولة عن المعلومات !!!!! عجبي
أما ما جذبني أكثر ، هو أن ينسب عمل سياسي معارض لم يشارك فيه الإخوان ، أن ينسب هذا العمل للإخوان
إلى هذا الحد لا يعتبر الناس أي قوة من القوى السياسية غير الإخوان ، إلى هذا الحد أصبح في ذهن الناس أن اللاعب الأول و الأخير في صفوف المعارضة هم الإخوان
أما الأحزاب و الحركات المعارضة الأخرى ، فإن الناس لا تؤمل فيها كثيراً ، و لا تعتبر لها كثيراً
وضع محزن و لا شك ، أن تختصر الحياة السياسية في بلد كبير مثل مصر في الحزب الوطني و الإخوان
و بما أن الحزب الوطني لا يمارس السياسة ، بل يمارس البلطجة ، فمعنى ذلك أن الناس لا ترى أحداً يمارس السياسة في مصر إلا الإخوان ، و لا عزاء للحياة السياسية في مصر

ثالث خاطرة:0

موقف الإخوان المسلمين

بالطبع كنت أتمنى أن يشارك الإخوان في الإضراب ، و لكن وجدت أن عدم مشاركتهم خير و أصح ، لأسباب كثيرة ، منها
أن الإضراب لم يكن على المستوى التنظيمي المطلوب ، و ما عرف عن جماعة الإخوان أنها جماعة غاية في التنظيم ، فالتنظيم أهم ما يميزها
أن ما حدث من فوضى و تخريب ، كان و لا شك سوف ينسب إلى الجماعة ، و الوضع لا يحتمل ذلك ، لأن الجماعة تكون حريصة دوماً على أن تكون في تنظيمات تمنع دخول العناصر التي تثير الشغب في وسط تلك التنظيمات ، و هذا التنظيم كان يحتاج إلى وقت كبير لإعداده ، و هذا مل لم يكن متاحاً بالنسبة
إن السبب الذي ساقته الجماعة لعدم قبولها المشاركة ، و هو أنه لم يؤخذ رأي الجماعة في الأمر ، قد يراه البعض ليس بسبب قوي ، أو أنها ( حجة فارغة ) ، و لكن في الحقيقة أن الأمر ليس بالصورة التي يراها الناس
إن جماعة الإخوان المسلمين كما يعلم الجميع تقوم في إدارتها على أساس من الشورى ، و أمر كبير مثل أمر الإضراب ، لابد و أن يؤخذ فيه آراء أعضاء الجماعة ، و بالتالي فلابد أن تنزل الشورى في هذا الأمر إلى قواعد الجماعة ، و يؤخذ فيها الرأي ، ثم ترجع تلك الآراء إلى رأس الجماعة بناء على رأي الأغلبية
هذا الأمر يحتاج إلى وقت ليس بالقليل ، و هو ما لم يتوفر ، فالوقت بين الإعلان عن الإضراب و حدوث الإضراب ، لم يكن كافياً


أما الخاطرة الأخيرة هي:0

عدم اعتصام عمال المحلة

ما تردد عن إضراب 6 أبريل ، أنه دعوة انطلقت من عمال غزل المحلة ، فكيف يكونوا أصحاب الدعوة ثم لا يعتصموا ، الأمر الذي لم أعرف له تفسير مقنع إلى الآن


في النهاية ، أحب أن أقول ، أن فكرة الإضراب فكرة قوية ، و العصيان المدني هو أحد الوسائل المطروحة للخروج من هذا الوضع المتأزم ، و من تحت سيطرة هذا النظام البوليسي الغاشم ، و لكن لا شك في أن الأمر يحتاج إلى قرار موحد من كل قوى الشعب ، و أيضاً يحتاج إلى تنظيم دقيق يضمن نجاح تلك الوسيلة

الخميس، ٧ فبراير ٢٠٠٨

تاج من طيف 1.. سراج وهاج


السلام عليكم
أنا باعتذر عن غيابي الفترة اللي فاتت
دربكة كبيرة و زحمة
امتحانات البكالوريوس .. البحث عن عمل .. ثم العمل .. التدريب .. الخطوبة .. النتيجة
يااااااااااااااااااااااااه ،، حاجات كتيييييييييييييييير أوي بصراحة
دا غير إني كنت عايز أعوض فترات النوم اللي سهرتها أيام الامتحانات
لكن الحمد لله
كل حاجة متجهة إلى انضباطها إن شاء الله

امبارح ظهرت النتيجة ، و الحمد لله نجحت في البكالوريوس بتقدير تراكمي امتياز مع مرتبة الشرف
و النهارده إن شاء الله الخطوبة ،، كمان شوية هاروح أهو

دعواتكم جميعاً


كمان فيه لخبطة كتيرة في الدماغ ، من مواضيع كتير ، اللي بيحصل في غزة ، على موجة الغلاء و خصوصاً إني داخل على زواج ، عن انطباعي عن الحياة الطبية بعد دوخلي لها ، على الحياة السياسية في مصر و ما تشهده من ركود ، و رأي أم راوية في مصر اليومين دول


هاكتب إن شاء الله في كل ده ، لو توفر لي الوقت ، و كمان بعد ما أنشر إجابة التاج اللي من طيف


التاج بتاع طيف تاج متميز جداً ، بيدور على أفكار و مفاهيم في دماغ الناس ، تاج جديد من نوعه ، لدرجة إني هجاوب عليه إن شاء الله في 3 تدوينات


التدوينة الأول بعنوان


سراج وهاج



كان السؤال : قال الشافعي " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" فهل تنطبق هذه القاعدة على الدين .. هل ترى ان الدين الذي تؤمن به هو الدين الحق و ربما يكون الاخرون على حق ايضا فيما يؤمنون به من اديان .. ام ان دينك الحق و سواه باطل ؟

بداية أحب أن أقول أنني أرى أن اتباع الحق لهو أعظم الأخلاق لا شك و أعلى المبادئ و القيم ، و في المقابل منه اتباع الهوى ، و الذي لا يبغي شيئاً إلا تحقيق مصلحة النفس بغض النظر عن المبادئ و القيم و الأخلاق و المثل
فاتباع الحق خلق و فضيلة لا تتوفر عند أكثر الناس
و ربما من المشاكل الكبيرة في هذا الصدد ، مشكلة نقص المعرفة و محدودية الثقافة لدى أغلب الناس ، و لذا أرى الحق أن يتبع الإنسان أحق ما علم و عرف

و أحب أيضاً أن أذكر أن الإيمان " مطلق الإيمان " هو التصديق ، و أن الكفر " مطلق الكفر " هو الجحود و الإنكار ، و كل مؤمن بشيء هو كافر بنقيضه لا شك ، و هذا أمر لا يشمل فقط الأديان ، و لكن يشمل أيضاً الأفكار و الأيديولوجيات و مختلف الاعتقادات
و هكذا ، فالمؤمن بالاشتراكية كافر بالرأسمالية ، و المؤمن بالدين كافر بالإلحاد ، و المؤمن بالفاشية كافر بالليبرالية ، و المؤمن بالإسلام كافر بالبوذية و الهندوسية و كافر لا شك بما يخالف عقيدته في عقائد المسيحيين و اليهود ، و مؤمن بما يوافق عقيدته في عقائدهم ، كوجود الملائكة مثلاً و وجود الجن و وجود دار آخرة .
و هكذا فالعكس صحيح أيضاً ، فاليهودي كافر بالإسلام ( ينكره و يجحده )0
لذا فإن الإيمان و الكفر ليست صفات تدل على الحق أو الباطل في ذاتها و لكن بما تنسب إليه
ثم بعد ذلك ، لي حول السؤال ثلاثة خواطر
* الأولى
من حيث العقيدة فإنني كمسلم أعتقد في أن كل إنسان يعتنق ديناً غير الإسلام فهو على عقيدة باطلة ، و هذا من أسس الاعتقاد الإسلامي ( إن الدين عند الله الإسلام ) . آل عمران آية 19

و لاعتقادنا في تحريف الديانات السماوية السابقة للإسلام
و لكن مع اعتقادي هذا فلست أقول أن كل معتقد لدين غير الإسلام هو من أهل الباطل ، فقد يكون من أهل الحق ، لأنه قد يكون معتقداً أحق ما عرف و علم و استطاع أن يفرز
فلو أخذنا مثال رجل أمريكي يهودي بسيط يعتنق اليهودية لأنها أحق ما علم و عرف و هو لم يسمع بالإسلام ، أو لم يصله عن الإسلام غير صورة مشوهة ، أو أنه يرى أن أهل الإسلام أهل تأخر عن بقية الأمم ، فيظن أن العيب في الإسلام و أن من يعتقده لابد و أن ينحدر إلى أسفل

* الثانية
أننا ينبغي أن نتعامل مع الناس على أساس من موقفنا من أعمالهم و سلوكهم و ليس على أساس من موقفنا من عقائدهم
فينبغي أن أرحب بكل من ينادي بالقيم السامية و المثل العليا و الأخلاق الحميدة و فعل الخير و فضائل الأعمال و يحققها في نفسه ، يجب أن أرحب به و أعمل معه على نشرها بغض النظر عن ديانته و معتقداته ، و يجب أن أنبذ كل من ينادي بالنقيض من ذلك و يحققه في نفسه – بالطبع بعد أن أنصح له و أبين له ما يرتكب من خطأ ثم لم يعدل عن ذلك – أيضاً بغض النظر عن ديانته و معتقداته ، بل و قد يصل الأمر إلى محاربته و قتاله حتى و إن كان مسلماً
(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )0 الحجرات – آية 9
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه.)0
و لعلنا نلحظ في هذا الحديث اندهاش الصحابة و استغرابهم في أول الأمر لما فهموا من أن ينصروا الظالم حتى و إن كان أخاً لهم في الدين ، و ذلك لحرصهم دوماً على اتباع الحق و نصرته
و رب مسلم مفسد في الأرض ، و رب بوذيّ مصلح في الأرض
و لعل المسلم المفسد في الأرض يُنكر عليه إفساده أكثر من غيره ، و لعل المتدين المفسد يُنكر عليه إفساده أكثر من غير المتدين ، ذلك لمعرفتهم الحق و جحودهم له ، بينما غيرهم لم يعرف هذا الحق

* الثالثة
أنني ضد الاستفزاز الذي ملأ مجتمعاتنا ، فليس من التعقل استعداء الآخر و استفزازه بشكل مستمر ، فكثيراً ما يتردد في وسائل عدة بداعٍ و بغير داعٍ أن النصارى كافرون و اليهود كافرون ، و الطعن في عقائدهم على مسمع و مرأى منهم ، في خطب الجمعة و الميكروفونات تسمع الجميع ، و شرائط الكاسيت بالمواصلات و القنوات الفضائية ، و ما إلى ذلك من مظاهر عديدة
فضلاً عن الدعاء عليهم في الصلوات ، مثل ما يتردد " اللهم أهلك اليهود ، و يتم أطفالهم ، و رمل نسائهم ، ... إلخ "
و ربما يكون من اليهود من يناصر قضايانا و يرى أننا مظلومون ، فلما يجد ذلك منا يحزن و يمتنع ، فضلاً عن ذلك فإننا نغلق قلوبهم من ناحيتنا، فإذا ما دعوتذلك الآخر إلى حوار أو إلى فكرتك أو حتى إلى أن يسمعوا لك ، فإنك ستجد لا شك أن قلوبهم مغلقة قبل آذانهم
و هذه الأدعية لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و إنما كان دعائه بأن ينصره الله على أعدائه ، و لم يدعُ الله أبداً بأن يهلك قوماً أو أصحاب ديانة عادوه
هذه الأدعية سماها الشيخ يوسف القرضاوي بـ " الأدعية المستفزة "

يبقى أخيراً أن أورد قصة رواها الأستاذ فهمي هويدي ثم أعلق عليها
يقول الأستاذ فهمي هويدي
" استطاع إمام مسجد التقوى في بروكلين – حي الفساد الشهير في نيويورك – أن يحدث انقلاباً اجتماعياً في منطقته ، صارت قصته على كل لسان ، ففي خلال سنوات معدودة ، قاد الشيخ سراج وهاج – و هو من المسلمين الأمريكيين السود – حملة من المسجد للدفاع عن الأخلاق و الفضائل ، استأصلت بكفاءة مثيرة للانتباه الكثير من الشرور التي استوطنت في الحي ، من الشذوذ و الدعارة إلى الإدمان و السرقة و التسول
لما لقيته هناك ، سألته : كيف فعلتها ؟ ، رد قائلاً : إن الأمر بسيط للغاية ، فقد كنت أردد في المسجد ، و في كل مكان ، إن إسلام المرء لا يستقيم إلا إذا تطهر من تلك الشرور ، و كانت النتيجة أن المسلمين السود أول من بادر بالاقتناع و الاستجابة و فوجئ الآخرون بأن تجمعات المسلمين أصبحت أنظف و أرقى مما كانت عليه من قبل ، و تسائل بعضهم : لماذا نجح المسجد في هذه المهمة ، بينما تقف إلى جواره معابد أخرى أكبر و أقدم لم تحقق مثل هذا الإنجاز ؟ و بعدما تردد السؤال أكثر من مرة ، و راج بين الناس ، كانت المفاجأة التالية أن تزايد عدد المقبلين على الإسلام ، بصورة غير متوقعة "
انتهت القصة كما رواها الأستاذ فهمي هويدي
و السؤال الذي أطرحه الآن ، عن أولئك الذين أقبلوا على الإسلام بعدما تردد السؤال و راج بين الناس ، و بعدما رأوا بأعينهم نموذج متميز لتطبيق الإسلام ، ترى قبل أن يعتنقوا الإسلام ، هل كانوا من أهل الحق أم من أهل الباطل ، أم أنهم هم و الكثيرون غيرهم لم يجدوا إلى طريق الهدى و الحق سراج وهاج